لم تكن الْمناهج محدودة مقيدة بساعات معينة
لكل مادة فى الأسبوع كما هى اليوم فى مدارسنا ولكنها كانت عامة بحيث يترك للمعلم
أو للمؤدب الحرية فى اختيار الكتب والمواد التى يدرسها للناشثين
ذات مرة رأى المفضل بن زيد ... ابن أعرابية
مسلمة فأعجب بمنظره فسألَها عنْه فقالت: "إذا أتم خمس سنوات أسلمته إلى
المؤدب فحفظ القرآن فتلاه فعلمه الشعر فرواه ورغب فى مفاخرة قومه وطلب مآثر آبائه
وأجداده فلما بلغ الحلم حملته على أعناق الخيل فتمرس وتفرس ولبس السلاح ومشى بين
بيوت الحى وأصغى إلى صوت الصارح
ومن إجابة تلك الأم العربية المسلمة نرى أن الطفل
كان يسلم للمؤدب وعمره خمس سنوات - وليس معنى هذا أن العليم يبدأ فى الخامسة من
العمر - فيحفظه القرآن الكريم بعد أن يعلمه طبعا القراَءة والكتابة وبعد إجادة
حفظه يعلمه الشعر ورواية الشعر ويرغبه فى دراسة تاريخ آبائه وأجداده وقومه والبحث
عن مآثرهم ومفاخرهم حتى يبلغ الحلم فيتمرن على ركوب الخيل ويتعلم الفروسية واستعمال السلاح فإذا أجاد هذه الفنون الحربية
ومهر فيها مشى بين بيوت حية وقبيلته وأصغى إلى صوت الصارخ ليعمل على إنقاذه وإغاثته
وقد كتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه المنهاج
الآتى وأرسله إلى الولاة من الْمسلمين وقال
لَهم:
"أما بعد فعلموا أولادكم السباحة والفروسية
ورووهم ما سار من المثل وحسن من الشعر" فعمر يأمر بتعليم الأولاد السباحة
والفروسية والرماية وما سار من المثل وحسن من الشعر ونعتقد أنه حث على دراسة
السباحة والعوم, والريضة البدنية, والأمثال العربية المشهورة, والشعر العذب
الجميل, بعد معرفة مبادئ الدين الإسلامى, وحفظ القرآن الكريم, ودراسة الحديث
الشريف.
وقد ذكر ابن سينا فى كتاب السياسة آراء تمينة فى
تربية الأولاد, ونصح بالبدء بتعليم الطفل القرآن الكريم, بمجرد استعداده جسميا
وعقليا للتعليم. وفى الوقت نفسه يتعلم حروف الهجاء والقرأة والكتابة, ويدرس قواعد
الدين, ثم يروى الشعر, ويبتدئ بالرجز ثم القصيدة؛ لأن رواية الرجز أسهل, وحفظه
أيسر؛ إذ أن أبياته أقصر, ووزنة أخف على أن يختار له أحسن الشعر مما قيل فى فضل
الأدب, ومدح العلم وذم الجهل, وما حث فيه على بر الوالدين, واصطناع المعروف, وقرى
الضيف ... فإذا فرغ الصبى من حفظ القرآن الكريم, وألم بأصول اللغة العربية, نظر
عند ذلك فى توجيبه وإرشاده إلى ما يلاثم طبيعته واستعداده.
وفى تلك النصيحة الأخيرة وهى توجيه المتعلم إلى
ما يناسب ميوله وطبيعته واستعداده تتمثل روح التربية الحديثة فى عصرنا هذا. فإن
علماء التربية اليوم ينادون بمراعاة استعداد المتعلم ورغبته فى الدراسة, بحيث يوجه
إلى الناحية العلمية, أو العملية, أو الأدبية, أو الرياضية, أو الدينية, أو
الاجتماعية, أو الفنية التى يميل إليها ويرغب فيها حتى ينجح نجاحا باهرا فى درسته.
وكان ابن التوام يقول: "من تمام ما يجب على
الآباء من حفظ الأبناء أن يعلموهم الكتاب (أى الكتابة) والحساب والسباحة".
وكان تحفيظ القرآن الكريم نقطة رئيسية فى التعليم الأولى بالكتاتيب.
وقد أوصى الغزالى بتعليم الطفل القرآن, وأحاديث
الأخبار, وحكايات الأبرار وأحوالهم, ثم بعض الأحكام الدينية, والشعر الخالى من ذكر
العشق وأهله.
وأضاف ابن مسكوية مبادئ الحساب, وقليلا من قواعد
اللغة العربية. وقد وضع الجاحظ منهاجا مفصلا ذكر فيه: "ولا تشغل قلب الصبى
بالنحو إلا بقدر ما يؤديه إلى السلامة من فاحش اللحن, ومن مقدار جهل العوام فى
كتاب إن كتبه, وشعر إن أنشده, وشىء إن وصفه, ما زاد على ذلك فهو مشغلة عما هو أولى
به كرواية الخبر الصادق, والمثل الشاهد, والمعنى البارع. ويعرف بعض الحساب دون الهندسة
والمساحة, ويعلم كتابة الإنشاء بلفظ سهل, وعبارة حلوة, ويحذر التكلف, ويحثه فى
قراءة البلغاء أن يستفيد المعانى "للألفاظ".
وتعد كلمة الجاحظ ثمينة فيما اشتملت عليه من آراء
لعدها اليوم حديثة فى عالم التربية, فهو يقصد من دراسة النحو القدرة على القراءة
الصحيحة, والكتابة الصحيحة, والكلام الصحيح, ولا يريد التوسع فى دراسته, حتى لا
يشغل الصبى عن دراسة التاريخ والأمثل العربية, ويرى الاكتفاء بالحساب للاحتياج
إليه فى الحياة العملية. وفى الإنشاء ينصح بمراعاة العبارة العذبة السهلة, الخالية
من التكلف, وفى المطالعة يحثه على الا ستفادة من المعانى ولآراء والأفكار.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar